الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
.قال الفخر: .المسألة الأولى: الإحياء بعد الموت: .المسألة الثانية: الخوارق عند المعتزلة: .المسألة الثالثة: معارف المكلفين: .المسألة الرابعة: حكمة الإحياء: .قال البقاعي: قال في الإصحاح الحادي والعشرين من نبوته: وكانت على يد الرب وأخرجني روح الرب إلى صحراء مملوءة عظام موتى وأمرني أجوز عليها وأدور حولها، فرأيتها كثيرة في الصحراء يابسة وقال لي: يا ابن الإنسان! هل تعيش هذه العظام؟ فقلت: أنت تعلم يا رب الأرباب! قال لي: تنبأ على هذه العظام وقل لها: أيتها العظام البالية! اسمعوا كلام الله أن هكذا يقول رب الأرباب لهذه العظام: إني أرد فيكم الروح فتحيون وتعلمون أني أنا الرب، آتي بالعصب والجلد واللحم أنبته، وأرد فيكم الأرواح فتحيون، فلما تنبأت بهذا صار صوت عظيم وزلزلة، واقتربت العظام كل عظم إلى مفصله، ورأيت قد صعد عليها العصب ونبت اللحم ورد عليها الجلد من فوق ذلك ولم يكن فيهم روح، وقال الرب: يا ابن الإنسان! هذه العظام كلها من بني إسرائيل ومن الأنبياء الذين كانوا يقتلون وقد بليت عظامهم وكل رجل بطل، تنبأ أيها الإنسان وقل للروح: هكذا يقول رب الأرباب: تعالوا أيها الأرواح، وأنفخ في هؤلاء القتلى فيعيشوا، فتنبأت كالذي أمرني الرب، فدخلت فيهم الروح وعاشوا وقاموا على أرجلهم جيش عظيم جدًا، وقال لي الرب: يا ابن الإنسان! هذه العظام كلها من بني إسرائيل ومن الأنبياء الذين كانوا يقتلون وقد بليت عظامهم وكل رجل بطل، فمن أجل هذا تنبأ وقل: هكذا يقول رب الأرباب: هو ذا أفتح قبوركم وأصعدكم من قبوركم وآتي بكم إلى أرض إسرائيل وتعلمون أني أنا الرب أنفخ فيكم روحي فتعيشون وأترككم تعملون؛ قد قلت هذا وأنا أفعله- انتهى. اهـ. .قال الفخر: أحدها: أنه تفضل على أولئك الأقوام الذين أماتهم بسبب أنه أحياهم، وذلك لأنهم خرجوا من الدنيا على المعصية، فهو تعالى أعادهم إلى الدنيا ومكنهم من التوبة والتلافي. وثانيها: أن العرب الذين كانوا ينكرون المعاد كانوا متمسكين بقول اليهود في كثير من الأمور، فلما نبه الله تعالى اليهود على هذه الواقعة التي كانت معلومة لهم، وهم يذكرونها للعرب المنكرين للمعاد، فالظاهر أن أولئك المنكرين يرجعون من الدين الباطل الذي هو الإنكار إلى الدين الحق الذي هو الإقرار بالبعث والنشور فيخلصون من العقاب، ويستحقون الثواب، فكان ذكر هذه القصة فضلًا من الله تعالى وإحسانًا في حق هؤلاء المنكرين. وثالثها: أن هذه القصة تدل على أن الحذر من الموت لا يفيد، فهذه القصة تشجع الإنسان على الإقدام على طاعة الله تعالى كيف كان، وتزيل عن قلبه الخوف من الموت، فكان ذكر هذه القصة سببًا لبعد العبد عن المعصية وقربه من الطاعة التي بها يفوز بالثواب العظيم، فكان ذكر هذه القصة فضلًا وإحسانًا من الله تعالى على عبده، ثم قال: {ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَشْكُرُونَ} وهو كقوله: {فأبى أَكْثَرُ الناس إِلاَّ كُفُورًا} [الفرقان: 50]. اهـ. .قال ابن عطية: .قال أبو حيان: {ولكن أكثر الناس لا يشكرون} تقدّم فضل الله على جميع الناس بالإيجاد والرزق، وغير ذلك، فكان المناسب لهم أنهم يشكرون الله على ذلك، وهذا الاستدراك: بلكن، مما تضمنه قوله: {إن الله لذو فضل على الناس} والتقدير: فيجب عليهم أن يشكروا الله على فضله، فاستدرك بأن أكثرهم لا يشكرون، ودل على أن الشاكر قليل، كقوله: {وقليل من عبادي الشكور} ويخص: الناس، الثاني بالمكلفين. اهـ. .شبهة والرد عليها: وقد ذكر بعض المفسرين أن الآية مثل ضربه الله لحال الأمة في تأخرها وموتها باستخزاء الأجانب إياها ببسط السلطة والسيطرة عليها، ثم حياتها بنهضتها ودفاعها عن حقوقها الحيوية واستقلالها في حكومتها على نفسها. قال ما حاصله: إن الآية لو كانت مسوقة لبيان قصة من قصص بني إسرائيل كما يدل عليه أكثر الروايات أو غيرهم كما في بعضها لكان من الواجب الإشارة إلى كونهم من بني إسرائيل، وإلى النبي الذي أحياهم كما هو دأب القرآن في سائر قصصه مع أن الآية خالية عن ذلك، على أن التوراة أيضا لم تتعرض لذلك في قصص حزقيل النبي على نبينا وآله وعليه السلام فليست الروايات إلا من الإسرائيليات التي دستها اليهود، مع أن الموت والحياة الدنيويتين ليستا إلا موتا واحدا أو حياة واحدة كما يدل عليه قوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} الدخان- 56، وقوله تعالى: {وأحييتنا اثنتين} المؤمن- 11، فلا معنى لحياتين في الدنيا هذا، فالآية مسوقة سوق المثل، والمراد بها قوم هجم عليهم أولوا القدرة والقوة من أعدائهم باستذلالهم واستخزائهم وبسط السلطة فيهم والتحكم عليهم فلم يدافعوا عن استقلالهم، وخرجوا من ديارهم وهم الوف لهم كثرة وعزيمة حذر الموت، فقال لهم الله موتوا موت الخزى والجهل، فإن الجهل والخمود موت كما أن العلم وإباء الضيم حياة، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} الأنفال- 24، وقال تعالى: {أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} الأنعام- 122. وبالجملة فهؤلاء يموتون بالخزى وتمكن الأعداء منهم ويبقون أمواتا، ثم أحياهم الله بإلقاء روح النهضة والدفاع عن الحق فيهم، فقاموا بحقوق أنفسهم واستقلوا في أمرهم، وهؤلاء الذين أحياهم الله وإن كانوا بحسب الأشخاص غير الذين أماتهم الله إلا أن الجميع أمة واحدة ماتت في حين وحييت في حين بعد حين، وقد عد الله تعالى القوم واحدا مع اختلاف الأشخاص كقوله تعالى في بني إسرائيل: {أنجيناكم من آل فرعون} الأعراف- 141، وقوله تعالى: {ثم بعثناكم من بعد موتكم} البقرة- 56، ولولا ما ذكرناه من كون الآية مسوقة للتمثيل لم يستقم ارتباط الآية بما يتلوها من آيات القتال وهو ظاهر، انتهى ما ذكره ملخصا. وهذا الكلام كما ترى مبني أولا: على إنكار المعجزات وخوارق العادات أو بعضها كإحياء الموتى وقد مر إثباتها، على أن ظهور القرآن في إثبات خرق العادة بإحياء الموتى ونحو ذلك مما لا يمكن إنكاره ولو لم يسع لنا إثبات صحته من طريق العقل. وثانيا: على دعوى أن القرآن يدل على امتناع أكثر من حياة واحدة في الدنيا كما استدل بمثل قوله تعالى: {لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى} الدخان- 56، وقوله تعالى: {أحييتنا اثنتين} المؤمن- 11. وفيه أن جميع الآيات الدالة على إحياء الموتى كما في قصص إبراهيم وموسى وعيسى وعزير، بحيث لا تدفع دلالتها، يكفي في رد ما ذكره، على أن الحياة الدنيا لا تصير بتخلل الموت حياتين كما يستفاد أحسن الاستفادة من قصة عزير، حيث لم يتنبه لموته الممتد، والمراد بما أورده من الآيات الدالة على نوع الحياة. وثالثا: على أن الآية لو كانت مسوقة لبيان القصة لتعرضت لتعيين قومهم وتشخيص النبي الذي أحياهم. وأنت تعلم أن مذاهب البلاغة مختلفة متشتتة، والكلام كما ربما يجري مجرى الإطناب كذلك يجري مجرى الإيجاز، وللآية نظائر في القرآن كقوله تعالى: {قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود} البروج- 7، وقوله تعالى: {وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون} الاعراف- 181. ورابعا: على أن الآية لو لم تحمل على التمثيل لم ترتبط بما بعدها من الآيات بحسب المعنى، وأنت تعلم أن نزول القرآن نجوما يغني عن كل تكلف بارد في ربط الآيات بعضها ببعض إلا ما كان منها ظاهر الارتباط، بين الاتصال على ما هو شأن الكلام البليغ. فالحق أن الآيه كما هو ظاهرها مسوقة لبيان القصة، وليت شعري أي بلاغة في أن يلقي الله سبحانه للناس كلاما لا يرى أكثر الناظرين فيه إلا أنه قصة من قصص الماضين، وهو في الحقيقة تمثيل مبني على التخييل من غير حقيقة. مع أن دأب كلامه تعالى على تمييز المثل عن غيره في جميع الأمثال الموضوعة فيه بنحو قوله: {مثلهم كمثل الذي} البقرة- 17، وقوله: {إنما مثل الحياة الدنيا} يونس- 24، وقوله: {مثل الذين حملوا} الجمعة- 5، إلى غير ذلك. اهـ.
|